حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه ما منه».
فلا تفتكر أنه قد يخدعك باستجارتك كاذبا فلا تأجره ، بل تأسره ، اللهم إلّا بأكيد الكيد الخطر اللعين المكين ، حيث يعني خطرا على الصف المسلم ، فالأصل ـ إذا ـ هو الإجارة بالاستجارة ، إلا فيما يستثنى حفاظا على الأهم من صالح المجموعة المسلمة.
ولكن (أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أيا كان ، وهو في إجارة قيادة القوات المسلحة ، لا يخشى منه خطر على فرد فضلا عن المجموعة ، فلكي تكون حجة الحق هي العليا قد نجيره لمّا يستجير ، آمنين عن كيده وميده ، ثم (أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) حيث الموضوع هو طليق الاستجارة فله طليق الإجارة وإبلاغ المأمن.
ذلك ، فاحتمال أن أحدا من المشركين يستجير لكي يستنير يمنع عن ملاحقته ، حيث القصد منها دفع نائرة الفتنة القاطعة ، فحين يرجى زوالها جرا إلى الإيمان والرحمة فلما ذا بعد استمرار الملاحقة (١) ، بل وإذا لا نحتمل فعلّ الواقع الخارج عن الاحتمال يحتمل تحرّيه أو تنبّهه ، بل وإذا نتأكد ألّا خير فيه ولا شرّ.
وهنا (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) قد تفسر المعني من هذه الاستجارة أنها تقصد التحري عن الحق المرام ، ولكن (حَتَّى يَسْمَعَ) ليس جزاء للشرط ، إنما هو من الغايات الصالحة للجزاء.
ثم إذا يسمع كلام الله لا ينتظر منه فور الإيمان ، بل (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ليجيد التفكر ويعيد النظر إجالة له دون عجالة حتى يرتكن الإيمان في قلبه ، وهذه العناية الأدبية هي غاية ما يمكن رعايته منها ، تحريا عن
__________________
(١) في تفسير الفخر الرازي ١٥ : ٢٢٦ نقل عن ابن عباس انه قال : إن رجلا من المشركين قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) : إن أردنا أن نأتي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة أخرى فهل نقتل؟ فقال علي (عليه السلام) : لا ـ إن الله يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ).