الذين يستقيمون في عهودهم ، سواء أكانوا من المعاهدين عند مسجد الحرام أم سواه.
فالمبدأ الأول للمشركين أنه ليس لهم عهد عند الله وعند رسوله ، فإنهم ناقضوا عهد الله بإشراكهم به ، وناقضوا عهد رسول الله بنكرانهم له ، فكيف يكون ـ إذا ـ لهم عهد عند الله وعند رسوله للجماعة المؤمنة بالله وبرسوله ، فذلك استفهام إنكاري يوقظ المسلمين بأن الأصل فيهم أولاء الأنكاد الأنكاث هو نقض العهود فلا يوثق بهم أبدا ، فعليهم اليقظة الدائمة أمامهم حياطة على النقض المرتقب منهم دائما.
ذلك لأنهم كأصل يكمنون لكم العداء العارم دون رغبة فيكم ولا رقابة عليكم ، فالأصل في معاهدة المسلم المحارب عدم النقض فإذا نقض انتقض ، ثم الأصل في معاهدة المشرك المحارب النقض ، فإذا لم ينقض لم ينتقض ، فلا تجوز بدار النقض منا لعهد المشرك قبل نقضه ، فإنه ـ إذا ـ حجة علينا واعتداء بغير مثل.
وهكذا يلزمنا الإسلام بالوفاء بالعهود مع المشركين فضلا عن المسلمين ، ولكن علينا أن نحتاط أمام المشركين المعاهدين إذ ليس لهم عند الله ولا عند رسوله عهد.
وإذا كانت الاستقامة للمعاهدات الإسلامية مع المشركين بهذه المثابة فما ذا ترى في المعاهدات الإسلامية مع بعضهم البعض ، فهل يجوز نقضها من طرف واحد بأي سناد؟ كلّا وحتى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليس له ذلك النقض فضلا عمن سواه مهما بلغ به الأمر.
فلا يبرّر نقض العهد إلّا نقضه قدره ، دون أي مبرر آخر دونما استثناء.
وهنا (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قد يعني إلى صلح الفتح بمكة صلح الحديبية إذ لم يسبق لهم معاهدة قبل الفتح إلا فيها مما يوسع نطاق المسجد الحرام إلى الحرم كله ، و «عند» هنا لأن الحديبية هي على أشراف الحرم وشفيره فإن بعضها في الحرم وبعضها في الحل.