(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ)(٨).
«كيف» يكون لهم عهد وهم لا يراعون عهدا عاطفيا إنسانيا بقرابة وما أشبه فلا يرقبون (فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) عهدا بمعاهدة ، فهم خلو عن كل عهد «إلّا» بقرابة و «ذمة» بقرار ، فكيف يوثق بهم وهم لا عهد لهم من هذا وذاك.
فالإل هو كلما يقابل الذمة مما تجب رعايته ورقابته من ١ تحديد فطري أو عقلي أو عرفي ، ٢ أم صفاء ولمع إنساني ، أم ٣ جوار أم ٤ قرابة نسب أو سبب ، فقد جاء الإل بمعاني عدة لا تناسب هنا إلا هذه الأربعة ، وأما العهد فهو المعني ب «ذمة» ثم «الله» ليس ليعبر عنه بالإل ، وأما «ذمة» فهي العهد الذي يذم على نقضه ، فهو العهد اللزام المذموم نقضه.
إذا ف «لا يرقبون» حراسة ورقابة (فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا) قرابة أم صفاء ولمعا إنسانيا ، أم فطرة أو عقلية أو عرفية أماهيه من رقابات أصيلة هي قضية أصل الإنسانية ، ثم «ولا ذمة» بمعاهدة وذمام ، فهو ـ إذا ـ خواء عن أية مراقبة لمؤمن فكيف يكون لهم عهد؟!
فقد فسدت إنسانيتهم وكسدت حيث حجبت فطرهم وعقولهم وحلومهم وعلومهم عن لمس الحقائق فهم إذا شر الدواب الصم البكم الذين لا يعقلون.
«يرضونكم» في إل أو ذمة «بأفواههم» مداهنة لا مهادنة حيث (تَأْبى قُلُوبُهُمْ) عن أية رقابة لأي إلّ أو ذمة ، وعلى الجملة كأصل (أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) متخلفون عن كل وثاق ووثيقة ، مهما كان لأقلهم إلّ أو ذمة كالذين عاهدتم عند المسجد الحرام.
ف (أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) هنا لا يعني مطلق الفسوق فإن كلهم فاسقون عن طاعة الله وشرعته ، فإنما حكم الأكثرية هنا يختص بحقل رقابة إلّ أو ذمة.