فهو في الأصل نكث بعد التوبة ، ثم يشمل كل نكث ، ثم كل إمامة للكفر ، وقد سبق ذلك النكث ما يعممه تماما ، فسابق (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) مع «إن تابوا» مرتين ، دليل باهر لذلك التعميم.
فلا تختص (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) بمن يطعنون في الدين وهم كفار جاهرين ، بل وأنحس وأنكى منهم كبراء بزعم الناس ، يظهرون الإيمان مضمرين الكفر ثم يرتدون ، وذلك كاف في زعزعة إيمان البسطاء المستضعفين.
إذا فنكث الأيمان يشمل نكث الإيمان ـ وبأحرى ـ لأنه أيضا يمين من الأيمان ، بل وأحرى مما سواه من أيمان ، فقضية طليق (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) بنقض الأيمان والطعن في الدين هي وجوب قتال كل من يحمل مشعل الضلالة والطعن في الدين ، ملحدا أو مشركا أو كتابيا أم ومسلما يحمل ما يحملون بل هو أخطر وأنكى ، فأصحاب البدع الجاهرة ، الذين يبدعون خلاف الضرورة من شرعة الحق هم من أئمة الكفر ، وترى إذا انتهى المرتد عما فعل وأبرز الإيمان ، فهل يثبت قتاله بعد أم لا؟ (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) حيث تنهي قتالهم لغاية انتهاءهم ، دليل نفيه عندئذ ، اللهم إلّا أن يدل قاطع الدليل على استثناء المرتدين.
وهل للكافر يمين لمكان (نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) حيث النكث لها دليل واقعها؟ أم لا ـ ل (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ)؟ إن لهم يمينا ما لم ينكثوا ، فحين نسمع منه يمينا لا نتأكد كذبه فقد نعامله معاملة صادق اليمين على حذر لأنهم ـ كأصل ـ لا أيمان لهم ، إذ لا مولى لهم به يحلفون.
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٣).
هذه الآية بما بعدها تواجه ما حاك في نفوس ضغيفة لم يتعرق الإيمان بعد فيها ، من تردد وتهيّب للإقدام على هذه الخطوة الحاسمة الجاسمة القاصمة ، ومن تعلل ورغبة وتعلّة في أن يفيء المشركون الباقون إلى الإسلام دون اللجوء إلى القتال الشامل ، ومن خوف على نفوسهم