ولأنه لا يقدر الإنسان إلا على حجة بالغة إلهية ذاتية معصومة تبلغ به إلى حجته الشرعية ، لذلك فطره على فطرته المعصومة في حدود أحكامها حيث لا تخطأ فيها إذا ظلت دون حجاب ، دونما إذا ضلت بحجاب.
إذا فلله الحجة البالغة على الإنسان أيا كان وأيان ، وطالما يتغافل الإنسان عن ربه قضية الشهوة والحيونة والمصلحية المادية لحد تصد عنه كل آيات الله البينات آفاقية وأنفسية ، وحتى الفطرة حيث تحجب بحجاباتها ، فليس في وقت من الأوقات فاضيا عن هذه الحجة الفائضة ، فقد يبرزها الله عند الحجاب المطلق المطبق بقصور أم تقصير بما يقطع الله عنه كل الأسباب التي كان يعتمد عليها ، فهنا لك يجد ربه وجدانا في أعمق أعماق نفسه المسمى ب (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
ولما اكتملت الحجة الأنفسية والآفاقية لتوحيد الله ، فلا عاذرة للإنسان أيّا كان وأيان في ضلاله عن التوحيد الحق وحق التوحيد : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) عاذرة ذاتية ، حيث الغفلة عن (رَبُّنَا اللهُ) هي غفلة مقصرة قاصدة ، وليست قاصرة ذاتية.
(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فإن جو الإشراك بآباء وسواهم ، لا يعذر اتباع الذرية ، التاركة لذواتها ، التابعة لما يضادها.
ذلك ، وكافة التذكيرات الأصيلة القرآنية تعني ـ فيما تعنيه ـ الذكرى الفطرية ، المغشوة بغشاوات الأهواء الطائشة ، فما دامت الفطرة خاملة غائبة فإنسانية الإنسان ككلّ هي غائبة ، لأنها أصل الدين الحنيف ، أمام كل جنيف.
ذلك ، فدين الفطرة ـ كأصل ـ هو الذي يدان به للسالك إلى الله ، دون دين الفلسفة والعرفان وما أشبه ، إذ لا عصمة فيها بما فيها من تقصيرات وقصورات فتضادات وتناقضات ، وأنها ـ ولو كانت صحيحة صالحة للسالك إلى الله ، لا تعم كافة المكلفين.
فالفلسفة التي تتبنى المنطق العلمي نجدها ببنائها خالطا غالطا ، فأثافيّها المنطق العلمي ـ دون المنطق الفطري المؤيد بالكتاب والسنة ـ نجد