فالموقف الأوّل لعمارة المسجد الحرام وسائر مساجد الله إنما هو لمن جمع بعد الإيمان بالله مثلثة الشروط (١) ، ثم لمن آمن وجاء بالأهم منها ، ومن ثمّ لمن هو خاو عنها كلّها ، درجات حسب الدرجات.
و (إِنَّما يَعْمُرُ) هي بين إنشاء وإخبار ، إخبارا أن طبيعة حال المؤمن الحامل لهذه الشروط أن يعمر مساجد الله بنيانا وحضورا لإقام الصلاة ، وإنشاء : ليعمر هكذا مؤمن مساجد الله في بعدي العمار دون سواه ، فقضية الإيمان بالله والخشية من الله ثم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، هي عمارة مساجد الله ، وبأحرى منها كلها (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
ف «عمار بيوت الله هم أهل الله» و «من ألف المسجد ألفه الله» (٢) و «من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخا مستفادا في الله وعلما مستظرفا وكلمة تدعوه إلى الهدى وكلمة تصرفه عن الردى ويترك الذنوب حياء وخشية ، أو نعمة أو رحمة منتظرة» (٣) و «من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر» (٤).
وإذا كانت عمارة المسجد في بنيانه هي قضية الإيمان (٥) ، فالحضور
__________________
(١) ملحقات إحقاق الحق (١٤ : ٤٨٢) ذكر الجبري الكوفي في تنزيل الآيات (١٢) مخطوط قال : نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(٢) الدر المنثور ٣ : ٢١٦ ـ للأول أخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والبيهقي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : والثاني عن أبي سعيد الخدري عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم).
(٣) المصدر أخرج الطبراني عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال سمعت جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول :
(٤) المصدر أخرج الطبراني بسند صحيح عن سلمان الفارسي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون ، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : الغدو والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل الله.
(٥) المصدر أخرج أحمد عن عبد الله بن عمير قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله ـ