ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناءها ، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاءها ، لم يتكأده صنع شيء منها إذ صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ، ولم يكوّنها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ندّ مكاثر ، ولا للإقرار بها من ضدّ مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد تكوينها ، لا لسأم دخل عليه في تصريفها ، وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منها عليه ، ولا يملّه طول بقاءها فيدعوه إلى سرعة إفناءها ، لكنه سبحانه دبّرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا استعانة بشيء عليها ، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم والتماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة ، ولا من ذل وضعة إلى عزّ وقدرة منا ما لا نملك ومن أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى» (الخطبة ٢٢٨).
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١٨٢).
هنا «يهدون» حالا واستقبالا قد تختص بالأمة الإسلامية ، كما (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وكما يروى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون» (١).
هذا ، ومن أهدى هداة الأمة الإسلامية هو علي (عليه السلام) وكما
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٤٩ ـ أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريح في الآية قال : ذكر لنا أن نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : هذه أمتي وفيه عن قتادة في الآية قال : بلغنا أن نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يقول إذا قرأها : هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) وفيه عن الربيع في الآية قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل.