بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والأبعاض ، ولا يقال له حد ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا أن الأشياء تحويه ، فتقله أو تهويه ، أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله ، وليس في الأشياء بوالج ، ولا عنها بخارج ، يخبر لا بلسان ولهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفّظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة ، يقول لمن أراد كونه كن فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ـ
لا يقال : كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل ، ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع ـ
خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه خضعت الأشياء له ، وذلت مستكينة لعظمته ، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفء له فيكافئه ، ولا نظير له فيساويه ، هو المغني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشاءها واختراعها ، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها ، وما كان من فراحها وسائمها ، وأصناف أسناخها وأجناسها ، ومتلبّدة أممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشاءها مذعنة بالضعف عن إفناءها ـ
وإن الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتداءها ، كذلك يكون بعد فناءها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء إلّا الله الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور ، بلا قدرة منها كان