وقد يناسب المقام أن تعني الحفيّ الخفيّ : كأنك خفي عنها بمعنى أن ربك أخفاك عنها وكان له أن يعلمك إياها لأنه «ربك» فكيف يضنّ بإعلامك إياها؟! أو كأنك ملح في السؤال عنها ربك فمخبرك إياها إذا كرر عليك السؤال عنها ، أو كأنك أخبرت عنها بالحاحك في السؤال عنها أو كأنك حاف عنها راجل عن العلم بهذه المهمة العظمى فكيف ـ إذا ـ أنت رسوله الأعظم ونبيه الأكرم وأنت حاف لا تقدر أن تمشي مشية الرسالة الصالحة حيث تجهل الساعة.
(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) فإذا لمح (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) إمكانية أن تعلّمها بتلك التربية الطليقة فهنا بصيغة أخرى (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تقضي على هذه الإمكانية بأسرها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ـ (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) فلذلك يحفونك في السؤال عنها كأنك حفي عنها.
فذلك السؤال المكرور الإلحاح الإحفاء كان القصد منه إحراج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يعترف بجهله! أم انه بخيل عن الإجابة ، أو ربه بخيل عن تعليمه إياها أو يدعى العلم بها فهو إذا كاذب كما سولت لهم اليهود. إزراء بساحته ومسا من كرامته ، فجاء جواب حاسم لا حول عنه (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ).
فالساعة غيب مغيّب من غيوب الله الخاصة حيث استأثر الله بعلمه ، ولكن المشركين يحفون في السؤال عنها بين اختبار الامتحان والامتهان ، وسؤال المستعجب المستقرب ، وسؤال المستهين المستغرب.
والجواب الحاسم جهله وجهل من في السماوات والأرض بها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ).
أجل : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ) وكيف لا تثقل؟ :
«حتى إذا تصرمت الأمور ، وتفضت الدهور ، وأزف النشور ،
__________________
ـ حمل ابن أبي قشير وسمول بن زيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هي ، فأنزل الله هذه الآية.