رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٧٢ :) ٢٨) (١).
وهنا «الغيب» هو الغيب المطلق الذي لا يتحوّل شهودا لمن سوى الله ، فما ورد متظافرا «أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة» مطروح أو مأوّل ببعض الغيب ، وهو المرتبط بالوحي الرسالي ، فحين لا يعلم الرسل غيب الآيات الرسالية التي تجري بذوات أيديهم ، فكيف يعلمون سائر الغيب التي ليست لتجري على ألسنتهم وأيديهم كغيب الساعة وما أشبه.
وهنا (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) تعم ملك العلم والقدرة ، ف (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) تستثني ملك بعض النفع والضر ، سواء أكان غيبا أم شهودا ، أو كان مقدورا عاديا أم سواه ، فقد يصدق انه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ـ فضلا عمن سواه ـ لا يعلم الغيب المطلق مهما علّم مطلق الغيب حيث يستثنيه (إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
ثم (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) تحيل له علم الغيب عن بكرته ذاتيا أم تعلما من الله حيث الاستكثار من الخير لا يختص بذاتية علم الغيب ، بل العلم ذاتيا أم عرضيا بالغيب ينتج الاستكثار من الخير وعدم مس السوء حيث الإيجابية العملية وسلبيتها وجاه الخير والشر ، هما من خلفيات طليق العلم بالغيب.
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) (٦ : ٥٠) ـ (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) (٦ : ٥٩) ـ (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) (١٠ : ٢٠) (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١١ : ١٢٣).
__________________
(١) راجع تفسير الآية في الفرقان ٢٩ : ٢٠١ ـ ٢٠٦.