الحياة الإنسانية ، دون الباطن الذي لا يظهر إلّا عند بلوغ الحلم ، لا سيما وأن الطبيعة الإنسانية المائلة إلى الإشراك لا تنحو نحو صلاح الباطن.
فهذه قصة واقعية عامة بين بني الإنسان تصويرا لمدارج الانحراف في النفس الإنساني من معارج الفطرة التي فطرهم الله عليها :
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) يعيش عيشة صالحة (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وهنا «شركاء» دون «شريك» لا ينطبق على الشيطان ، كما أن «يشركون» جمعا لا ينطبق عليهما ، إذا فهما كل أبوين من هذا النسل ، أنهما عند اثقالها يدعوان الله (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ولكنهما ينسيان صالح ما آتاهما الله إلى طالح الإشراك به حيث (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) إذ يخيل إليهما أن لغير الله مدخلا في صالح الولد.
وهذه طبيعة الإنسان الغفلان النسيان إلّا من هداه الله ووقاه ، تخلفا عما فطره الله عليه كما ويكرر قصّ ذلك التخلف في القرآن بصورة عدة : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠ :) ١٢) ـ (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) (٣١ : ٣٢) (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٤).
وهكذا ينقطع الإنسان فطريا إلى ربه حين تنقطع الأسباب التي كان يعيشها ، فلما كشف عنه ضره رجع إلى نفس الأسباب معتبرا إياها كأنها الكاشفة له ضره ، فقد يمرض مرضا هالكا فلا ينفعه أي طبيب ولا دواء ، فلمّا يعافى ينسب عافيته إلى كل شيء إلّا الله!
هذا ، والقول إن «يشركون» وما أشبه جمعا لا ينافي تثنية الأبوين ، فإن دأب القرآن الدائب هو التعميم بعد التخصيص إعطاء للضابطة ، مردود