هذا ، وذلك استنفار منقطع النظير من هذا البشير النذير لحرب منقطعة النظير ، وفي جو مظلم من الدعايات المضللة ضدها ، المثقلة إلى الأرض فيها.
فهنا (خِفافاً وَثِقالاً) حالان تشملان كافة الأحوال لكل المسلمين حينذاك ، قطعا لكل المعاذير غير العاذرة ، ف (جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) تستنفر كل الأموال والأنفس ، من جامع بينهما في ذلك الجهاد ، ومن معذور في أحدهما ، فرضا عليه الجهاد بالآخر ، حضورا في المعركة بهما كليهما ، أم بأموالكم إن لم تقدروا بأنفسكم ، أم بأنفسكم إن لم تكن لكم أموال ، استقطابا لكافة الطاقات والإمكانيات في ذلك الاستنفار العام لكافة القوات الإسلامية عن بكرتها.
أجل (انْفِرُوا خِفافاً) : ناشطين ـ قليلي العيال ، خفافا من السلاح ، مشاة ، شيوخا ، شبابا ـ ومهازيل ومراضا أما أشبه «وثقالا» يقابلها : شاقة عليكم ، ثقيلي العيال ، ثقيلي السلاح ، ركبانا ، شيوخا وسمانا وصحاحا.
وقد قدمت (خِفافاً وَثِقالاً) تأكيدا على النفر ، أو كان النفير الخفاف متقدمين كما «رجالا» في الحج على (كُلِّ ضامِرٍ) تشجيعا للاتجاه إلى المفروض وكأنه على الضعفاء قبل الأقوياء.
إذا ف (خِفافاً وَثِقالاً) تعم الجميع نفرا في كل حال دون التماس حجج ومعاذير أو خضوع للعوائق والتعلات ، وكما عن ابن أم مكتوم انه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلي أن أنفر؟ قال : ما أنت إلا خفيف أو ثقيل ـ فرجع إلى أهله ولبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ)(١).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٦ : ٧٠ وفيه قال مجاهد : إن أبا أيوب شهد بدرا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتخلف عن غزوات المسلمين ويقول قال الله : «انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً» فلا أحدني إلا خفيفا أو ثقيلا ، وعن صفوان بن عمرو قال : كنت واليا على حمص فلقيت شيخا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو ، قلت يا عم ـ