بل هو محبور لأصل السماح الرباني : (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) وظاهر صدقهم لمكان الإسلام ومكانته ، دون واجب اتهامهم أو راجحه لكيلا يأذن لهم (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ).
وليس ذلك التبيّن واجبا أصليا لا يجبر ، بل هو راجح رسالي وقد أجبر بنفس استئذانهم ، ولحن القوم منهم ، وببيان الله عنهم ، فلم يفت منه شيء بذلك الإذن ، بل هو من ضمن البلاغ الرسالي بإذن الله حتى يعلم قصورة الذاتي ، وأنه ليس إلها كما زعمته النصارى في المسيح (عليه السلام).
وفي الآيات التالية يبين الله له كيان الاستئذان في الجهاد أن ليس إلا من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون.
كلام حول العصمة :
العصمة بين طليقة ذاتية وعرضية ، فالأولى خاصة بالله لا تعدوه إلى سواه ، ثم العرضية بين رسالية لرسل أم سائر المعصومين (عليهم السلام) ، وهي محدودة بقضية الرسالة تلقيا للوحي وبلاغا وتطبيقا فرديا وجماعيا ، ولا تحصل إلّا في ظرف العصمة البشرية وما أشبه ، وهي درجات حسب درجات الرسالات ، وليست على أية حال طليقة ، وإنما هي في خط البلاغ الرسالي السليم.
ثم عصمة بشرية ليست من محطات العصمة الربانية وتسمى العدالة وهي أيضا درجات. والعصمة البشرية التي هي محطة الرسالة لا بد وأن تحصل بجهاد متواصل من صاحبها مهما صاحبها تأييد رباني من قبل ومن بعد ، ويعبر عنه بالاصطفاء : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣ : ٣٣) (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) (٧ : ١٤٤) (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥) فهذه وما أشبه هي للرسل ، ثم لخلفاء معصومين لهم : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ..) (٣٥ : ٣٢) أم