شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٤ : ٦٢).
فظاهر إقرار هؤلاء المنافقين من ناحية ، وظاهرة الاستئذان ـ وهي حسب هذه الآية إمارة أخرى على الإيمان ـ من أخرى ، قد سمحت له أن يأذن لهؤلاء بمجرد استئذانهم ، دون أن يعرف كذبهم حتى عرّفهم الله إياه.
فلما لم يكن الصادق بينا له عن الكاذب ، فهل له أن يحملهم دون معرفة على الكذب؟ كلّا! ولكن الحائطة في ذلك المسرح الخطير كانت تقتضي أن يؤجل إذنهم نظرة تبيّنه ، وقد كفى الله أمره أن عرّفهم إياه فعرفهم في هذه الإذاعة القرآنية.
إذا ف (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بعد (عَفَا اللهُ عَنْكَ) وقبل (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) قصاراه التأنيب بما لا ينبغي وهو في نفسه غير محظور ، أم إن إذنهم بين محظور ومحبور ، محظور إذا لم يتبين كذبهم ، ومحبور إذ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) ولكنهم ما كانوا يخرجون وإن لم يأذن لهم ، ثم الله بين له (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبهم فلم يبق في البين محظور ، ولا سيما أن عدم إعدادهم عدة هو من ملامح كذبهم : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) إذا ف «حتى تعلم» كان حاصلا دون تمام بعدم إعدادهم عدة ، ولم يخسر هنا إلا تمام العلم بكذبهم ، وقد جبر الله كسره بما أخبره.
ذلك ، إضافة إلى أنه كان يعرفهم في لحن القول : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٤٧ : ٣٠) ومنه هنا (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) وسائر قالهم القال الغائل.
ذلك ، ومن لطيف جبر الكسر ـ في إذنه ـ من الله ، أنه تكفل فضحهم بعلامات كذبهم ودلالاته في ثلثي آيات السورة ، أو ليس بيان الله بعد إذنه أبين من تبيّنه إن لم يأذن لهم؟!.
وبعد ذلك كله فلم يثبت بعد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى بمحظور ، فإن إذن قائد القوات لمن يستأذنه للقعود ليس في أصله محظورا ،