قبول الإنفاق هو العدالة الطليقة! أو العدالة في الإنفاق حيث (يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
هنا الفسوق محلّق على كافة الأعمال لمكان تحليق الكفر على القلوب ، حيث المورد هو المنافقون ، ومن شروط قبول العبادة الإيمان ، فحتى إذا أنفقوا هؤلاء طوعا ـ ولن يكون ـ ف (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) فكينونة الفسق ضاربة إلى أعماقكم ، فاصلة بينكم وبين الإيمان والمؤمنين ، فكيف تتقبل أية عبادة من كافر أو منافق هو أشر منه؟! وقد تبين ذلك بالآية التالية :
(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ)(٥٤).
هنا ثالوث يمنع عن (أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) هو : كفرهم بالله وبرسوله ، وصلاتهم وهم كسالى ، وإنفاقهم وهم كارهون ، مهما تظاهروا أنه بطوع ورغبة ، والأخيران منطويان في الأول ، فهما له لزامان لا ينفصلان ، فكما «الإيمان لا يضر معه عمل وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل» (١) فطالح العمل لا يمحي صالح الإيمان استئصالا وإحباطا ، وصالح العمل لا يثبت بالكفار ، ضابطة ثابتة لا تستثنى.
هنا (لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) حصر لصلاتهم بحالة الكسل وحسر لها عن النشاط العبودي ، وهذه صفة الكافر بالله ، المنافق في عمله كسلانا ومرائيا : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ) (٤ :)
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٢٥ في الكافي مسندا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيه عن كتاب الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل وفيه : فكل عمل يجري على غير أيدي الأصفياء وحدودهم وعهودهم وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم مردود غير مقبول وأهل بمحل كفر وان شملتهم صفة الإيمان ألم تسمع إلى قول الله تعالى : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ويرو له «فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفع حق أولياءه وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.»