فروايته الأخرى أن «من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه» (١) بين محمولة على التنزيه أم سواه مما لا تلزمه النجاسة الجسدية المتعدية إلى ملاصقها.
ثم لو كان دخول النجس الظاهري الجسداني محرما في المسجد الحرام لكان من المحرم إدخال أية نجاسة فيه ، بل وفي الحرم كله حيث القصد من المسجد الحرام هنا الحرم كله ، وكيف بالإمكان التحرز عن دخول أية نجاسة في الحرم كله والعائشون في الحرم يتنجسون وينجسون الحرم قضية الضرورة الحيوية الإنسانية ليل نهار ، ومما يدل على هذه الوسعة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) إذ لا تخاف إلا في خارج المسجد نفسه ، مكة أو الحرم كله.
ثم الإشراك ـ وهو أمر نفسي ـ لا ينجس إلّا حامله وهو النفس ، دون الجسد الذي ليس ليؤمن أو يشرك خارجة عن محور الإيمان والإشراك ، فلا صلة للإشراك الذي ينجس النفس ، بالبدن الذي لا يشرك
__________________
ـ والمجوس ، وهي معروضة على آية المائدة الدالة على طهارتهم.
هذا وممن وافقنا من أكابر المعاصرين العلامة المغفور له الطباطبائي صاحب الميزان في ٩ : ٢٢٩ قائلا : وفي تعليله تعالى منع دخولهم المسجد بكونهم نجسا اعتبار نوع من القذارة لهم كاعتبار نوع من الطهارة والنزاهة للمسجد الحرام وهي كيف كانت أمر آخر وراء الحكم باجتناب ملاقاتهم بالرطوبة وغير ذلك.
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٢٧ ـ أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من صافح .. وفيه أخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال : استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جبرئيل (عليه السلام) فناوله يده فأبي أن يتناولها فقال يا جبرئيل ما منعك أن تأخذ بيدي؟ فقال : إنك أخذت بيد يهودي فكرهت أن تمس يدي يدا قدسها يد كافر فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بماء فتوضأ فناوله يدع فتناولها ، أقول : نجاسة اليهودي تعارضها آية المائدة (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) ثم من شرط واجب الغسل في مس النجاسة الرطوبة المسرية ولم تفرض هنا رطوبة يد النبي أو جبرئيل ، بما في هذا الحديث من مزرءة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنه ترك حكما كان يعلمه من شرعة الله!.