الله أنه هو الرزاق وأنه يغنيهم عنهم إن شاء (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بحالكم «حكيم» فيما يعلم بأحوالكم.
وهنا «إن شاء» تطلق مشيئته ، على علمه وحكمته وقدرته ، دون أن يضطر ويلجأ إلى إغناءهم بأسباب أخرى مهما كانت مرضات المؤمنين ، فإنما «إن شاء» حتى ينقطعوا إليه فيما يشاءون ، فلا تخيل إليهم ضرورة المبادلة وكأنها مهاترة هي لزام تقبلهم ذلك الحكم الصارم.
أجل ، فهناك حظر عن حضور المشركين المسجد الحرام ، وهنا الموقف الاقتصادي السلبي من جراءه ، الموقف الذي ينتظره المكيون ، تجارة يعيش عليها معظم الظاهرين في الجزيرة ، ورحلة الشتاء والصيف التي تكاد تقوم عليها حياة الجزيرة ، هذه كلها تتعرض للضياع بإعلان الجهاد العام على المشركين كافة ، ثم الحظر عن قربهم الحرم مهما كانوا مسالمين غير طاعنين في الدين ، ولكن الله هو الكافل بأمر الأرزاق من وراء الأسباب ودونها ، فحين يشاء الله يستبدل بأسباب مألوفة أخرى غير معروفة ولا مألوفة ، غلقا لباب وفتحا لأبواب ، وحتى إذا لم يستبدل فحكم الله أحرى بالاتباع من وافر العيشة ، ف (لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ).
فلقد كان الوحي القرآني الناهج أفضل مناهج التربية ، يعمل في المجتمع الذي نشأ من الفتح ، ولمّا تتناسق مستوياته الإيمانية حيث كان يعتوره ثغرات ، فهو يحاول في سد هذه الثغرات بفتح الاتجاه إلى الله في خطوات هي بالنتيجة قمة التجرد لله ، والمفاصلة على أساس العقيدة مع كافة الأواصر الأخرى غيرها ، فآصرة العقيدة الصالحة هي الوحيدة في الميدان ، التي تتناسى سائر الأواصر أمامها ولا سيما إذا خالفتها.
وهنا بعد ما ينتهي دور المشركين ، فإلى سائر الكفار (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) :
__________________
ـ الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين فقال : من أين تأكلون وقد نفي المشركون وانقطعت عنكم العير قال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ..).