ذلك ، فالمجاهدة في سبيل الله هي الصراع الدائم للسالكين إلى الله ، سلبا لما سوى الله وشرعته ، وإيجابا لله بشرعته ، فقد يدخل في نطاقها كافة المحاولات في هذه السبيل لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.
إذا فكافة الإجراءات الإيمانية لتحقيق كلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) هي مجاهدات في سبيل الله ، سلبا للكفر وجلبا إلى الإيمان.
وكما ليست هذه المجاهدات لونا واحدا وشكلا فاردا ، كذلك مجاهدة الكفار والمنافقين ، كلّ كما تقتضيه حاله ومجاله ، وليس (اغْلُظْ عَلَيْهِمْ) إلّا مرحلة أخيرة حاسمة بعد مرحليات المجاهدات اللطيفة العطيفة ، ومنها ـ مع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ـ تأليف قلوب نافرة بمال ف (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) (٩ : ٢٠) وهي بصورة طليقة (الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢٩ : ٦٩).
فهكذا (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) هنا وفي التحريم (٩) (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ولأن المنافقين هم أخطر من الكفار واقعيا مهما كانوا أقرب إلى المسلمين ظاهريا فجهادهم ـ إذا ـ أكثر منهم وأوعر ، فالمنافق ـ كما الكافر ـ نار حيثما دار ، وإخماد النار واجب المؤمنين الأحرار ، ولكي تبقى الحياة المسلمة سليمة أمينة عن الأشرار ، بذلا لكل جهد في إصلاح الأمر مهما بلغ به الأمر في ذلك الأمر ، حفاظا على الإمرة الإسلامية والكتلة المسلمة عن همجات وهجمات أنفسية أو دعائية أماهيه؟. وإلى (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) فإنه أغلظ المجاهدة وآخر المطاف فيها بما في الغلظ من قتالهم إذا لزم الأمر ، فآخر الدواء الكي.
ذلك ولقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يلاين المنافقين كثيرا علّهم يلينون عن شدتهم ، ويفيقون عن غفوتهم ، ويغضي عنهم كثيرا علّهم يغضون ، بالغا معهم في الصفح والحلم والساحة غايتها ، فإذا انتهى أمد اللين فلتكن الشدة بمراحلها ، فإن لم تنفع فالحسم القاطع ، وذلك عند ما يتظاهرون بمظاهر الكفر ، وكما في النص التالي :
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ