ذلك ، ولأن الذين يأتون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليحملهم فلا يتحملهم ، هم بالغون أعلى قمم النصح عمليا للجهاد ، لذلك لم يشترط في عدم تحريجهم (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) فإنهم من أحسن المحسنين.
وقد نزلت الآية الثانية في البكائين (١) وقد يروى أنهم سألوه الحملان من النعال (٢) وهي أقل ما يحملهم للجهاد! وقد قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام المجاهدين : لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا ولا نلتم من عدو نيلا إلّا وقد شركوكم في الأجر ثم قرأ الآية (٣).
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٩٣).
هنا يختص السبيل في الوجد والإنفاق ب (الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٦٧ ـ أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال جاء ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستحملونه فقال : لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل الله (وَلا عَلَى الَّذِينَ ..) قال : وهم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير ومن بني وافن حرمي بن عمرو ومن بني مازن ابن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن ضخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني.
(٢) المصدر أخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال حدثني مشيخة من جهينة قالوا : أدركنا الذين سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحملان فقالوا ما سألناه إلا الحملان على النعال ، وفيه أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم في الآية قال : ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال .. وعن الحسن مثله.
(٣) الدر المنثور ٣ : ٢٦٧ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : .. وفيه أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس أن ينبعثوا غازين فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن معقل المزني فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احملنا فقال : والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا ولهم بكاء وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فأنزل الله عذرهم (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ ..).