وحين لا يجرأ عمر على هيبته وجرأته أن يسقط حرفا واحدا من القرآن ، فكيف يجرأ مثل عثمان بن عفان أن يسقط أو يزيد سورا أو آيات؟ والله تعالى ضمن صيانة القرآن عن كل تحريف وتجديف بتأكيدات منقطعة النظير ك (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) وما أشبه.
وهنا (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) تشمل ـ فيما تشمل ـ سبقة هؤلاء الثلاث على هؤلاء الأعراب ، فإن للقروية والبدو دورا في تأخر الإيمان على أية حال.
لذلك يلحق هؤلاء الأكارم من الأعراب ب (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بعد «قربة لهم ـ و ـ في رحمته» وهنا التلحيق (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وذلك لعظيم الفوز في حقل الإيمان الصالح لغير الأعراب من السابقين الأولين.
ثم (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ليست لتفضل المتبوعين على التابعين ، فإن المقتدي هدى من قبله قد يفوقه أو يساويه أو ينقص عنه ، فحين يقول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٦ : ٩٠) لا يعني أنه أدنى منهم ، وإنما
__________________
ـ وإنفاقا ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الأولين ولكن أبي الله عزّ وجلّ أن يدرك آخر درجات الإيمان أولها ويقدم فيها من أخر الله أو يؤخر فيها من قدم الله ، قلت : أخبرني عما ندب الله عزّ وجلّ المؤمنين إليه من لاستباق إلى الإيمان؟ فقال : قول الله عزّ وجلّ : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...) فبدأ بالمهاجرين الأولين والأنصار على درجة سبقهم ثم ثنى بالأنصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ...
وفيه في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن عمرو بن أبي المقدام قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : خرجت أنا وأبي حتى إذا كنا بين القبر والمنبر إذا هو بأناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال : إني والله لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد ومن أئتم منكم بعبد فليعمل عمله ، أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون ، السابقون في الدنيا والسابقون إلى الجنة.