عليهم أنفسهم» بتلك العزلة والندامة عن تلك التخلّفة العارمة (١) ، ثم انقلبوا وانعزلوا إلى الله حيث (ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) وبهذه الخطوات الثلاث التي هي من مؤهّلات التوبة (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ذلك ، وزيغ قلوب فريق منهم الذي كاد ، علّه نوع نفرة منهم لتلك السفرة الشاقة البعيدة في الرمضاء ، وما أشبه من هذه الحوادث والوساوس والهواجس ، فأدركهم الله بتوبته
عليهم جزاء ما أقدموا على الخروج رغم تلك المروج ، وإتباعهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ساعة العسرة العسيرة ، فجعلها الله عليهم بتوبته سهلة يسيرة ، فلاتباع الحق في ساعة العسرة موقعه العالي في ميزان الله ، يستحق صاحبه به أن يتوب الله عليه برحمة خاصة راصّة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٦ : ٢١٨ ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة وأمر بمباينتهم حتى أمر بذلك نساءهم فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وجاءت امرأة هلال بن أمية وقالت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد بكى هلال حتى خفت على بصره حتى إذا مضى خمسون يوما أنزل الله تعالى (لَقَدْ تابَ اللهُ ... وَعَلَى الثَّلاثَةِ ..) فعند ذلك خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حجرته وهو عند أم سلمة فقال : الله أكبر قد أنزل الله عند أصحابنا فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه وبشرهم بأن الله تاب عليهم فانطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتلا عليهم ما نزل فيهم فقال كعب : توبتي إلى الله تعالى أن أخرج مالي صدقة فقال : لا ـ قلت : فنصفه ، قال : لا ، قلت : فثلثه ، قال : نعم.