وإنما «خلفوا» بما خلفتم أموالهم وأهلوهم ، خلفتهم عن اللحوق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك ، ف «خلّفوا» إذا عن توبة الله عليهم حيث التخليف في اللغة هو التأخير ، فقد أخروا عما أخروا بما أخروا (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) تأسفا على ذلك التخلف العارم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) تحزنا على ما خلّفوا (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) ثم بعد هذه الثلاثة التي هي من مؤهّلات التوبة (تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) إليه (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
فهؤلاء الثلاثة ابتلوا بثلاثة كل واحدة منها تكفي لأهليتهم للتوبة ، فقد (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ) أرض العشرة السليمة مع المسلمين حيث رفضوهم واعتزلوهم كما رفضهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ضاقت بما رحبت» من أموال وأهلين تركوا الجهاد لها ولهم ، فضاقت
__________________
ـ فبايعهم واستغفر لهم وكان ممن تخلف عن غير شك ولا نفاق ثلاثة نفر الذين ذكر الله تعالى ...
وفيه أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : لما غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تبوك تخلف كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، قال : أما أحدهم فكان له حائط حين زها قد فشت فيه الحمرة والصفرة فقال غزوت وغزوت وغزوت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو أقمت العام في هذا الحائط فأصبت منه فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه دخل حائطه فقال : ما خلّفني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما استبق المؤمنون في الجهاد في سبيل الله إلّا ضن بك أيها الحائط ، اللهم إني تصدقت به في سبيلك ، وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغزوت فلو أني أقمت في أهلي فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه قال : ما خلفني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما استبق إليه المجاهدون في سبيل الله إلا ضنّ بكم أيها الأهل ، اللهم إن لك علي أن لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي في ، وأما الآخر فقال : اللهم إن لك علي أن ألحق بالقوم حتى أدركهم أو انقطع فجعل يتتبع الدقع والحزونة حتى لحق بالقوم فأنزل الله (لَقَدْ تابَ اللهُ) .. وعلى الثلاثة الذين خلفوا.