والتوبة على من كاد أن تزيغ قلوبهم مرتان ، توبة لاطمئنان بعد ما كادت تزيغ ، وأخرى (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) مزيدا للرحمة والحنان (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ولا حاجة فيهما إلى توبة العبد مهما تاب كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توبة إلى الله على أية حال.
ثم التوبة على من عصى هي مشروطة بأن يتوب إلى الله حتى يتوب الله عليه ، وهي في الذنوب المتعددة غير المتعدية ، ومن ثم على أمثال (الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) حيث التوبات لهم أربع ، توبة الله عليهم ليصلحوا لرحمة كما (وَعَلَى الثَّلاثَةِ) عطفا على (لَقَدْ تابَ) وأخرى عليهم ثانية ليتوبوا ، ثم ثالثة هي توبتهم إلى الله ، ومن ثم رابعة ليتوب الله عليهم غفرا لعظيم الذنب.
فتوبات الله على عباده نوبات ، كما وتوبات العبد نوبات ، ولا تعني كلها معنى واحدا ، حتى إذا سمعنا الله يقول : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) نحسبها توبة عن عصيان ، أم يقال : كانت الآية «بالنبي»! كما وأن الذنب ذنبان ، ذنب يستوخم عقباه في العقبى وهو أوخم عصيان ، وذنب يستوخم عقباه في الأولى ومنه قمة إيمان ، كذنب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فإنه ذنب الرسالة القدسية الأخيرة بملابساتها وعرقلاتها من قبل المناوئين إياها حيث سترها الله بفتح العاصمة الرسالية.
وهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة ، وكلهم من الأنصار ، ولم يكونوا هم من المنافقين (١)
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٨٦ ـ أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذي أوان خرج عامة المنافقين الذين كانوا تخلفوا عنه يتلقونه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه : لا تكلمنّ رجلا تخلف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم فلم يكلموهم فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة أتاه الذين تخلفوا يسلمون عليه فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون عنهم حتى أن الرجل ليعرض عنه أخوه وأبوه وعمه فجعلوا يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعتذرون بالجهد والأسقام فرحمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ