والبال هو الأمر العظيم والشأن الخطير ، وهو للنسوة هنا أخطر من أيديهن وأعظم حيث نسينها لبالهن ، وليس إلّا الشغف الهالك الحالك في حبه ، لحد أنساهن أنفسهن فقطعن أيديهن ، مكان الأكل والفاكهة التي بأيديهن.
فلما يعرف ذلك البال يعرف واقع الحال منهن ومن امراة العزيز وكفاه ذلك السؤال ظهورا لبراءته في الحال وبكل استعجال.
(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)(٥١).
والخطب هو جلل الأمر ومصابه ، فالصديق يتغاضى عن مراودتهن احتشاما حتى يصرح بها وبخطبهن الملك ، ويصرخن ببراءته ، مما يدل على أنه كان يعلمها من ذي قبل ، او استقصى قبل إحضارهن فعلمها ، وهذه قضية الحال في كل استجواب ولا سيما بالنسبة للعظماء ، ليكون المستجوب للحال على بينة من الأمر ، والظروف المحيطة به قبل الخوض والانغمار فيه ، فهنا لك يواجه النسوة على بينة من واقع المراودة وخطبهن فيها : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ)؟ أهو الذي أوقعكن في خطبكن ومراودته أم أنتن من أنفسكن؟
(قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) لا سوء المراودة ، ولا سوء النظرة (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ) امر يعلوه او يظهر فيه «من سوء» إلّا حسنا وجمالا (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)! حقيقة ليست لتنكر او تستر ولو من مثل هؤلاء النسوة المترفات المتجبرات الارستقراطيات اللاتي لا يحنّ إلى معروف ولا يقررن بمنكر فعلن.
وهنا لا تملك المراودة الأولى ، الخائنة الأولى ، لا تملك نفسها في جو