ولكن حيث كانوا كاذبين فلما ذا الجزاء على من ليس منهم؟ إن ذلك ـ في الحق ـ جزاءهم ، وأما جزاءه فهو ظاهرة مورّاة مجاراة لحقل الجزاء ، و «جزاءه» مفردا عن (كُنْتُمْ كاذِبِينَ) جمعا ، هو أجمل تلميحة لاختلاف المجزي عن الكاذبين ، فإن للكاذب ـ لو كان هو بن يامين ـ جزاءه وللصادقين سواه ليس هنالك جزاء ما هم غير عارفين أنه سرق.
فحصالة المعني منها : فما جزاء من وجد في رحله إن كنتم أنتم كاذبين ، لا من وجد في رحله فإنه صادق هنا وعلى طول الخط ، وإلّا فليكن «إن كان كاذبا» ولأنه لم يكن كاذبا لم يكن وجدانه في رحله يسمح لأن يؤخذ إلّا بكذب صراح في حقه أنه كاذب دون مجال في ذلك لأيّة تورية.
(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)(٧٥).
وقد حكموا حسب شرعتهم أن جزاء السارق هو نفسه أن يسجن أو أن يسترق ، و «الظالمين» تعمم هذا الحكم إلى سائر الظالمين بحق الناس.
ولماذا التكرار في «جزاءه» مبتدء مرة وخبرا اخرى؟ علّه للتأكيد انه هو جزاءه لا سواه ، أم هو وسواه ، إنما هو جزاءه ليس إلّا إياه.
وبطبيعة الحال كل هذه الحوار كان بإذن يوسف ومنظره ومسمعه فإنه من كيده المسموح بإذن الله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) ولكن من هذا الذي يمدّ يده إلى أوعيتهم تفتيشا؟ ليس ذلك إلّا يوسف نفسه إكراما لبيت النبوة واحتشاما للإخوة ، ولأنه هو الذي (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) فليكن هو الذي يستخرجه بخاصة كيده من وعاء أخيه :
(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ