وقد تعاضدت الروايات ان الرؤيا الصادقة شعبة من الوحي ، او جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة ، وقد تتأيد الأخير بما يروى ان الوحي على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان منذ البداية الى ستة أشهر في الرؤيا (١) ولو صحت لانطبقت في الحساب قياسا لستة أشهر الى ثلاث وعشرين سنة زمن الوحي كله ، الا ان الثابت قرآنيا وفي السنة ان الاكثرية الساحقة من وحيه في تلك المدة كانت يقظة ، واقله في الرؤيا.
وقال جماعة من المتفلسفة (٢) وآخرون من الصوفية (٣) مقالات حول
__________________
ـ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شرها ولا يذكرها لأحد فانها لن تضره ، وفيه وصح عن جابر ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله تعالى تعالى من الشيطان الرجيم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه.
(١) تفسير الآلوسي ١٢ : ١٨٢ عن عائشة :
(٢) قالوا انها انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك ، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن ادنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الى صلة هناك ، ثم ان المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبها فترسلها الى الحس المشترك فتصير شاهدة ثم ان كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت عن التعبير وإلا احتاجت اليه :
(٣) قالوا ان الرؤيا من احكام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال وهو قد يتأثر من العقول السماوية والنفوس الناطقة المدركة للمعاني الكلية والجزئية فيظهر فيه صور مناسبة لتلك المعاني وقد يتأثر من القوى الوهمية المدركة للمعاني الجزئية فقط فيظهر فيه صورة تناسبها وهذا قد يكون بسبب سوء مزاج الدماغ وقد يكون بسبب توجه النفس بالقوة الوهمية الى إيجاد صورة من الصور كمن يتخيل صورة محبوبه الغائب عنه تخيلا قويا فتظهر صورته في خياله فيشاهده وهي اوّل مبادئ الوحي الالهي في اهل العناية لان الوحي لا يكون الا بنزول الملك واوّل نزوله في الحضرة الخيالية ثم الحسية وكما يروى عن عائشة انها قالت : اوّل ما بدئ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح.