فمهما كان قبل اليوم عليكم تثريب مني ومن أبينا ، ولكنا اليوم (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) فيه إذ قد مضى دور الامتحان والامتهان ، وحان حين اللطف والحنان ، منا ومن الرب الملك المنان.
ف «اليوم» إنما هو ظرف ل (لا تَثْرِيبَ ..) دون (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) فان قضيته أدبيا تأخيره : «يغفر الله لكم اليوم» ليكون نصا لمظروفه دون تردد ، ولان غفر الله لهم ما تمت شروطه بعد ولمّا يغفرهم يعقوب ويستغفر لهم! وكما طلبوا إليه (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ. قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٩٨) ، ومن ثم فذلك من سوء الأدب والجرأة على الرب أن يقال عنه «يغفر الله لكم اليوم» ولا يملك أحد غفره ولا وقته حين يغفر ، وإنما على العبد أن يستغفر دون تحديد لأصل الغفر أو وقته!.
وإذا كان (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) فما لهم يطلبون إلى يعقوب ان يستغفر لهم وهو يعدهم ، وهذا تكذيب منهم ومن يعقوب ل (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ)!.
وإنها لضابطة أخلاقية ضابطة على الإنسان زهوة القدرة والرئاسة ، وزهرة النصرة في المعركة ، وقد ازدهى يوسف وازدهر حيث أصبح عزيزا في بلد الفراعنة ، فجاءت إخوته متصاغرين أمامه ، معتذرين ، ولكنه ينهي أمرهم ويعذرهم لا في حقه فحسب : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) بل وتطلبا من الله أن يغفر هم : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ثم البقية الباقية هي غفرة واستغفارة من أبيهم وقد فعل : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي).
ومن ثم لا نسمع من يوسف صغيرة بعد ولا كبيرة بحق الإخوة ، إلا محاولة مسرعة في تفريج الكربة عن أبيه ببشارة عملية وقولية :