(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) والثرب شحمة رقيقة هي غاشية الكرش ، والتثريب هو إزالة هذه الغاشية فيبين الكرش ، فهو هنا التقريع والتعييب بالذنب ، وكما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثربها» فان في تثريبها مع جلدها اعتداء عليها بأكثر من ذنبها ، وفي تأنيبها دون جلدها تبديل حكم الله إلى غيره!
بذلك الصفح ينهي موقفهم المخجل الشائن وكأنه هو الذي يعتذر منهم ، فقد انتهى أمري على إمره ولم تعد له جذور ، وإذا كان من حقي اعتداء بالمثل فأنا أرجّح العفو (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
ذلك خطأكم عندي و (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) وأما عند الله فقد (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) لأني قد غفرت لكم واستغفرت وإذا أنا ـ العبد المربوب ـ أرحمكم وأغفر لكم ، فبأن يرحمكم الله ويغفر أحرى وأحق (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لا سيما وأن غضبه لم يكن إلا لاغتضابي باغتصابي عن أبي!
ثم (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) قد تجمع بين الإخبار والإنشاء وما أحلاه جمعا وما أجمعه حلوا.
وهكذا يكون حق الناس ، أن الله لا يغفر لمن ضيّعه إلّا ان يغفره صاحب الحق ، وما أحسنه إذا كان الغافر له هو المستغفر له بجنب استغفار الخاطئ لنفسه بعد اعترافه بالخطيئة.
(لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) مني كصاحب الحق الأصيل ، ولا ممن سواي وبأحرى حيث الدخيل زائل بزوال الأصيل (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) مهما كان عليكم قبل اليوم تثريب وتخجيل كما كان من يعقوب من ذي قبل بحق القول : (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ..) (٦٤) (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) (٨٣) وكما كان مني أنا لمّا اتهمتموني وأخي بالسرقة : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ)(٧٧).