(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٩٢).
وذلك منهم اعتراف بفضيلته ورذيلتهم حيث آثره الله عليهم وأذلّهم أمامه خلاف ما كانوا يظنون.
وترى هل يأخذه فرح الإيثار وترحه باستكبار ، كلّا ما ذلك الظن بذلك العبد الصالح ، فإنه يقابلهم بكل تكريم وإكبار ، ناجحا في ابتلاءه بالنعمة كما نجح في ابتلاءه بالنقمة ، وهذه هي شيمة الرجال الكرماء وكما فعله الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) في فتح مكة حيث «صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أهل مكة ماذا تظنون؟ ماذا تقولون؟ قالوا نظن خيرا ونقول خيرا ابن عم كريم قد قدرت ، قال فاني أقول كما قال أخي يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(١) «.. فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام» (٢).
ذلك مهما كان البون بين يوسف ومحمد كما البون بين إخوته واهل مكة ، ولكن الكرم نفس الكرم وإن كان درجات.
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٤ ـ اخرج ابن مردويه عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فتح مكة صعد المنبر ...
(٢) المصدر اخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فتح مكة طاف بالبيت ركعتين وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ماذا تقولون وماذا تظنون قالوا نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أقول كما قال يوسف : لا تثريب .. فخرجوا .. وفي نور الثقلين ٢ : ٤٦٠ ح ١٨٠ في الكافي باسناده عن حريز عن أبي عبد الله (ع) لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فامر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال : لا اله إلّا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ماذا تقولون ...