قبل : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٨).
والتفنيد هو نسبة الإنسان إلى الفند وهو ضعف الرأي ، وقد نسبوه إليه من ذي قبل وفيما هاهنا مزيد : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)(٩٥). حيث زادوا على القديم «تالله» لأنه زاد في آيات الشغف من حبّه ، (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) مما يدل على خارقة فيه إلهية ، رغم أن يوسف ـ بزعمهم ـ أدرج إدراج الرياح ، فأين يوسف حتى يوجد ريحه من بعيد أو قريب ، لا سيما وأن أبناءه الحضور ليس لهم علم ولا احتمال بحياة يوسف ، لذلك جن جنونهم بحقه ونسبوه إلى ضلال مبين في وجهه ، بدل أن يداروه ويماروه علّه يأنس ـ في زعمهم ـ بظنه ، وتراهم كفروا مرة بعد أخرى بنسبة الضلال المبين إلى أبيهم النبي الكريم؟ إنها إن كانت نسبة الضلالة في الدين كانت خروجا ارتدادا عن الدين ، ولكنها ـ بمناسبة الحال ـ ليست إلّا ضلالا في حب يوسف وأخيه ، إذ كانوا يرونهم أنفسهم ـ وهم عصبة ـ أحق من يوسف وأخيه في ذلك الحب ، فظنوا ـ بجهلهم ـ أن أباهم ضال عن الحكمة الأبوية بين ولده تقديما لمفضولهم على أفاضلهم أم ترجيحا دون مرجّح ، دون علم بأن ذلك أيضا كفر بالوحي ، إذ لا يقول النبي ولا يفعل إلّا بوحي!
إلّا أن ذلك ايضا خروج عن الإيمان بهذه الرسالة السامية كما يحق ، فأصبحوا ـ على حدّ تعبير الامام الصادق (عليه السلام) ـ «ولا بررة أتقياء» (١) بل هم فسقة أطغياء ، وكما يدل على ذلك استغفار يوسف وأبيه
__________________
(١) في تفسير العياشي عن نشيط بن صالح البجلي قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) أكان إخوة يوسف (عليه السلام) أنبياء؟ قال : لا ولا بررة أتقياء ، كيف وهم يقولون لأبيهم يعقوب (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).