ذلك وحتى تحققت رؤياه بتأويلها (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ..) (١٠٠).
أترى انه قصها على اخوته ، خلافا لصالحه وعصيانا لأمر والده الحنون فحسده إخوته؟ كلّا! فإنما ملامح الحب اللّامحة منه ليوسف وأخيه ، الراجحة على إخوته ، هي التي حرضتهم على ما حسدوه وافتعلوه (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا ..) دون تصريحة أو اشارة ، أنه يرأسنا كلنا بما رأى من رؤيا أوّلها أبونا ، أم رؤيا غيرها.
ولكنما التورات تخطأ هنا خطأ ثانيا إذ تصرح أنه قصّه على اخوته (١) ثم تعكس امر المواجهة ، فلأبيه الانتهار ، وليس هنا للإخوة أمر ، وعلّهم وافقوا أباهم في تكذيبه ، فلم يأخذوا رؤياه بعين الإعتبار! اللهم إلّا رؤيا أخرى هي الأولى ، تذكرها ما هيه ثم قول الإخوة «ألعلك تملك علينا ملكا أم تتسلط علينا تسلطا؟ وازدادوا ايضا بغضا من أجل أحلامه ومن اجل كلامه»؟! (قالَ يا بُنَيَّ) هذا التصغير دليل انه صغير ولمّا يبلغ الحلم خلاف ما تقصه التورات انه ابن سبعة عشر ، ووفاقا لآيات تالية في نفس السورة (.. هذا غُلامٌ ..) ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ... وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها ..) ثم إنه لمحة لا تجاه الأب الحنون وجاه هذا الولد الصغير ، الكبير الكبير في محتده ، المحسود بين إخوته من قصته ، ومثل هذه الرؤيا ليست رؤيا الطفولات للأطفال ، وإنما رؤيا البطولات للرجال الأبطال ، مما يخطط رسم حياته المنيرة منذ الطفولة حتى الرجولة ، محسودة بين
__________________
(١) نفس المصدر السابق.