الإخوة ، محاطة بحيطة رحيمة.
(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ..) كمبدء وضابطة في قصّ الرؤيا وعدم قصّها ، ولماذا تقص الرؤيا على حاسدين يتحرضون لكل مكيدة : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) وقد ينسى الحنان الأخوي حين يرون فائقا متوفقا من بينهم عليهم حيث (الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ)! إنما تقص الرؤيا على من يؤوّلها ، أو يتبهج لها كوالد حنون ، دون من يتحرّج بها فيحرّج صاحب الرؤيا كأخوة حاسدين.
فلقد عرف يعقوب من هذه الرؤيا ان يوسف هو المختار بين ابنائه من نسل ابراهيم لتحل عليه كل بركة ، وتتمثل فيه كل حركة في هذه السلسلة المباركة وكما قال (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ...).
لذلك ـ وحفظا عليه ـ يوصيه إلّا يقص رؤياه على إخوته ، وبطبيعة الحال لم يكن ـ بعد ـ ليقصها حيث يرى في ذلك هدما لصرح رؤياه ، وخلافا على أبيه ، وكما لا تلمح القصة على طولها أنه قصها عليهم.
ولو أنه قصها عليهم ، وقد علم انهم يكيدون له كيدا ، فلما ذا يرسله معهم حين يطالبونه؟ أإرسالا الى غير محضن ليحققوا كيدهم الذي يعلم لو انهم عرفوا رؤياه؟! وفي ذلك القص وهذا الإرسال تخطئة لساحة يوسف ويعقوب ، ومس من كرامتهما ، فلا تصدق الرواية القائلة «فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على اخوته» (١) فانها من الإسرائيليات.
__________________
(١) تفسير البرهان ٢ : ٢٤٢ عن ابن بابويه بسنده عن الثمالي عن علي بن الحسين (عليه السلام) في حديث مفصل فيه قصة رد يعقوب سائلا مؤمنا صائما فعاقبه الله في يوسف وفيه فقلت لعلي بن الحسين (عليه السلام) جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا فقال في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآل يعقوب شباعا وبات فيها دميال طاويا جائعا فلما رأى ـ