تُفَنِّدُونِ ، قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)(٩٥)! فأين (تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ)؟
ثم (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (٤ : ١٧) وهؤلاء عملوا السوء دون جهالة ، حين يعني من «صالحين» صلاح التوبة ، ثم ولم يتوبوا من قريب ، ولكن الله تاب عليهم لما استغفر لهم يوسف وأبوه.
ولئن عنى «صالحين» فيما عنى صلوح التوبة ، كان معنى ضمنيا لا يصلح استقلاله ولا مساواته لمعناه ، وليست التوبة نتيجة الجريمة ، ولا أنها تقبل في هذه الجريمة العامدة الهاتكة بكل مكيدة حتى على الله ، أننا نعصيك ثم نستغفرك!
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٠).
هذا القائل هو أعقلهم وأرحمهم بالأخ الصغير ، وأحوطهم عليه ، حيث يرتإي بما ليس فيه فوت ولا موت ، وإنما نفي عن محضن العائلة ل (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ..) وإذ ليس القتل والطرح الذي مآله القتل هو العلاج الحاصر ، فإلى الرأي العوان بين القتل والطرح.
إنه يبدي رأيه بكل حائطة ، لأنه ـ فقط ـ واحد من العشرة ، لذلك يبديه مشككا غير قاطع ، تحويلا عما اعتزموا لعلهم يرجعون ، كما تلمح له (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) وكما نراهم لم يجمعوا على رأيه إلّا بعد ما ذهبوا به : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ..) وقد يعنى التشكيك أصل التصميم في نفيه كأنه لا يرضاه ، فان كان ولا بد لا تقتلوه وألقوه ..