بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ)(٩).
وهذه مؤامرة ثانية في المؤتمر الذي عقدوه على ما حقدوه ، والرأي المشترك هو نفي يوسف عن محضن العائلة : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)(١٠٢).
مهما اختلفوا في شاكلة أمرهم الإمر قتلا او طرحا له أرضا بعيدة لن يصلوا إليه ولن يصل إليهم :
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) فان فعلتموه (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) كأنه حين يغيب عن بصره يغيب عن قلبه وبصيرته ، فيصبح قلبه خاليا عن حبه فارغا إليكم ، ثم (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) لتمام الحب من أبيكم ، متفرغين إلى صالحكم العائلي ومحضن الحنان الأبوي دون معارض فيه ولا مشاغب.
أترى بعد «صالحين» يعني فيما عناه «صالحين» بالتوبة عما أذنبوا؟ كأنه لا ، حيث (تَكُونُوا ..) جزاء ثان للأمر : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ) المؤول إلى شرط : إن قتلتموه او طرحتموه (أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) وليس صلاح التوبة من نتائج الجريمة ، ولا نراهم استغفروا «من بعده» وانما استغفروا توسلا إلى أبيهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ. قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ..) (٨) وكما وعدهم يوسف من قبل : (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) (٩٢) وليس ذلك «من بعده» إلا من بعد بعيد ، وبعد أن عرفوا أنهم ليسوا بعده ، بل هو قبلهم ومعهم وبعدهم عزيز آثره الله عليهم (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا ..)(٩١).
لا فقط لم يكونوا ليستغفروا «من بعده» بل وأصروا واستكبروا استكبارا قبل تبيّن أمره ، حيث قالوا لأبيهم حين قال (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ