(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٠).
هنا لأول مرة نعرف رسميا صراحا ان المرأة هي امرأة العزيز ، والذي اشترى يوسف من مصر هو العزيز ، فالقرآن يكتفي في ذكر الأشخاص من سماتهم كما يقتضيه الموقف ، دون تهدّر في ذكرها تطويلا بلا طائل ، فهنالك «الذي اشترى وامرأته» وهناك (أَلْفَيا سَيِّدَها) وهنا ، (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) ومن ثم (قالَ الْمَلِكُ ..) وقد نتبينّ بعد أنه عله هو العزيز أم سواه.
ولماذا (قالَ نِسْوَةٌ) دون «قالت»؟ ألأنها اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي؟ وتأنيثه على أية حال حقيقي! أو لأن تقديم الفعل يسمح لإسقاط علامة التأنيث كسقوط علامة التثنية والجمع؟ وهذا قياس خلاف القياس الأدبي ، أن المؤنث الحقيقي فعله او صفته مؤنث على أية حال! إلّا أن يقال أن أدب القرآن هو المقياس لكل قياس ، فتذكير فعل المؤنث الحقيقي قبله هنا يؤخذ قياسا مطردا في أضرابه ، دون إصغاء الى سائر الأدب!.
ام أضف إلى ذلك المحتمل أن قالة نسوة هنا تجشّما على عزيزة البلاط هي قولة الرجولة ، فناسبهن ضمير الرجال ، وكما ياتي ضمير العاقل لغير العاقل بمناسبة فعل العاقل : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) : الأرض والقمر والشمس ، حيث السباحة العاقلة دون غرق ولا اصطدام هي فعلة العاقل.
وعلى أية حال (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ..) وطبعا هن نسوة معروفات بامكانهن تلك الرجولة في قالة على العزيزة ، وطبيعة الحال فيهن التحسّد عليها ، فلا تحسد نساء الطبقة السافلة الجائعة عزيزة البلاط ، ولا يخلد بخلدهن تلك المحاسده ، فهن ـ إذا ـ سيدات في المدينة عزيزات راعنات