مثلها متهوّسات متغنجات متولهات والهات للشهوات واللهوات ، يسمحن لأنفسهن تعيير صاحبة البلاط.
وكيف تسربت القصة إليهن؟ أنها (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) دون «راودت»؟ فلأنهن عشيرات العزيزة ورفيقاتها ، فالمخالطة المراودة بينهن تجعلهن يتفرسن تلك المراودة المستمرة ولا سيما تلك المرة الجاهرة التي تسربت ـ بطبيعة الحال ـ إليهن ، من فلتات لسانها وصفحات وجهها إمّا ذا من لفتات وفلتات.
هن يعبن العزيزة كيف (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) ولما يرينّ يوسف إلّا رواية ، واين رواية من دراية؟ والبيان من العيان؟ واين هي والفتى المملوك؟ وبطبيعة الحال إذا كان صاحب جمال ليس بالذي يفوق جمال الفتيان في جوّ البلاط ، فكيف تعشق العزيزة فتاها ولحد (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)؟ اختلت أحوالها القلبية كما القالبية! فقد شق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى فؤادها ، متفئدا بنيران العشق ، حارقا كلا القلب والقالب! ..
والحب الشغف هو أبلغ الحب ، فهنا العشق الحب المفرط ، وهناك السكر والهيمان ، وهنالك الشغف وهو غشاء القلب ، فقد يعني أن حبه تغلغل إليها حتى أصاب شغافها وهو غشاء قلبها ، فأصبحت مسلوبة الشغاف ، أم إن شغافها أحاط حبه وأحاطه حبه فلم يبق في قلبها إلّا حبه ، فلا تهوى إلّا إياه ، ولا ترى إلّا رؤياه ، ولا تنظر إلّا مرآه ، وكأنها أصبحت كلها إياه ، حيث حجب عنها كل شيء ، كأنها لا تملك لنفسها إرادة إلّا مراودته ، ولا تحب إلا رؤيته ، إذ «قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره ، والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب» (١) حب قاتل لا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٢٣ ح ٥٧ في تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : «قد شغفها حبا يقول : قد حجبها ...».