هنا يوسف السجين يجد مجالا لائقا وجوا فائقا للدعوة الى التوحيد حين يرى صاحبي السجن بحاجة إلى تأويله ، وهما يريانه من المحسنين ، فهل سجن إلّا قضية الإيمان ، فليدع إلى الايمان أيا كان ، وليس السجن لأهل الله سجنا لحرية الدعوة ، فإنما هو استلاب لحرية الجسم حلّا وترحالا ، وأما الروح فقد يصبح بالسجن أروح ، وتبرز شفافيته ولباقته أريح وأنجح!.
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(٣٥).
ف «ثم» هنا تلمح إلى فصل غير قريب بين ذلك المشهد وسجنه ، والبداء ظهور رأي خلاف ما كان ، والآيات هي الدالات على براءة يوسف ، من براءته الذاتية المشهودة في عشرته ، وأن العزيزة راودته وقدّت قميصه من دبر ، وكما شهد شاهد من أهلها واعترف العزيز بكيدها ، وصرحت العزيزة بميدها في مشهد النسوة ، أمّا هيه (١).
وهذه كلها آيات قاطعة لبراءته وقحتها ، مما يجعله يكرم أكثر مما كان ، فضلا عن السجن حيث فيه يهان.
ولكنما الحق الواقع شيء ، والمصلحية في الأوساط الراقية والمترفة شيء آخر ، يفدون بكل حق ناصع حفاظا على مصلحية.
فلقد شاعت قصة المراودة في أوساط المدينة ولاكتها الألسن وتلقتها في الأوساط الشعبية ، واستطارت ـ بطبيعة الحال ـ أكثر مما كانت ، كما هي السنة في كل حادثة تدخل قالتها بين الجماهير ، فأصبحت حديث اليوم ، وتزداد شياعا فضياعا للبلد يوما بعد يوم ، مما تجعل قحة العزيزة وفضيحتها سنة تقتدى في كل الأوساط ، فإن ذلك الحسن الذي أوله سيدة
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٤٢٤ ج ٦٠ القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية : والآيات شهادة الصبي والقميص الممزق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتى حبسه.