البلاط وأقرانها من السيدات ، من طبعه ألّا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى وفوضى.
لذلك (بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) بدا للعزيز حفاظا على سمعة البلاط وحرمته وحريمه ، وبدا للعزيزة وقد كانت تهدده من قبل (لَيُسْجَنَنَّ ..) فبعد ان تصبّرت ردحا من الزمن واستمرت فيما حاولت فشلّت وفشلت فأصرت على العزيز أن يسجنه بعد ما احتالت في تلبيس الأمر عليه كما يلوح من (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وما رده الملك عليهن : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) وقولهن (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) وأخيرا تصريحه ثانية من العزيزة : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
فلو لا تلبيسها أمره على العزيز لمن يكن لقولها الآن : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ...) مجال ، وقد حصحص من قبل في مشهد النسوة إذ قطعن أيديهن ، مما يدل على أنها كادت واحتالت في تعمية الأمر على العزيز لحد صمم على سجنه ، أم إن المصلحية والتعمية هما الباعثان على ان (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) وتراهم من هم غير العزيز والعزيزة؟ علّهم هما ونسوة في المدينة وسائر أصحاب البلاط ، مهما يرأسهم العزيز وترأسه العزيزة ، بدا لهم كلهم من بعد ما رأو الآيات.
وعلّ «حين» هو حين التناسي عن جريمتها ، وحين النسيان عنه ، وحين استتباب أمر البلاط رجوعا إلى ما كان قبل المراودة ، أم وحين ظهور الأمر بعد إخفاءه.
وكأن فاعل (بَدا لَهُمْ) محذوف حيث «ليسجننه» فعل لا يصلح فاعلا ولا مفعولا ، فالفاعل «أمر ورأى غير ما كان» بموجبه (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى