والمعية التي لها من هذه الجهة هو معنى فوق الدهر ، ويشبه أن يكون (١) أحق ما سمى (٢) به السرمد ، وكل (٣) استمرار وجود بمعنى سلب التغير مطلقا من غير قياس إلى وقت فوقت (٤) فهو السرمد ، والعجب (٥) من قول (٦) من يقول إن الدهر مدة السكون أو زمان غير معدود بحركة ، ولا يعقل مدة ولا زمان ليس فى ذاته قبل ولا بعد ، وإذا كان فيه قبل وبعد وجب تجدد حال على ما قلنا فلم يخل من (٧) حركة.
والسكون يوجد فيه التقدم والتأخر ، على نحو ما قلنا سالفا لا غير ، والزمان ليس بعلة لشيء من الأشياء ، لكنه إذا كان الشيء مع استمرار الزمان يوجد أو يعدم ولم نر له (٨) علة ظاهرة نسب الناس ذلك إلى الزمان ، إذ (٩) لم يجدوا هناك مقارنا غير الزمان أولم يشعروا به. فإن كان الأمر محمودا مدحوا الزمان ، وإن كان مذموما ذموه. لكن الأمور الوجودية فى أكثر الأمر ظاهرة العلل ، والعدم والفساد خفى العلة ، فإن سبب البناء معقول وسبب الانتقاص والاندراس (١٠) مجهول فى الأكثر. وكذلك إن شئت استقريت جزئيات كثيرة ، فيعرض لذلك أن يكون أكثر (١١) ما ينسب إلى الزمان هو من الأمور العدمية (١٢) الفسادية (١٣) كالنسيان والهرم والانتقاص وفناء المادة وغير ذلك ، فلذلك صار الناس يولعون (١٤) بذم الزمان وهجوه.
والزمان له عوارض وأمور تدل عليها ألفاظ ، فحرى بنا أن نذكرها ونعدها ، فمن ذلك الآن ، وقد يفهم منه الحد المشترك بين الماضى والمستقبل الذي فيه الحديث لا غيره ، وقد يفهم منه كل فصل مشترك ولو فى أقسام الماضى والمستقبل ، وقد يفهم منه طرف الزمان ، وإن لم يدل على اشتراك ، بل كان صالحا لأن يجعل طرفا فاصلا فى الوهم غير واصل ، وإن كان يعلم من خارج المفهوم إنه لا بد من أن يكون مشتركا ولا يمكن أن يكون فصلا ، وذلك بنوع من النظر غير تصور معنى لفظه. وقد يقولون آن لزمان (١٥) قريب جدا من الآن الحاضر قصير.
وتحقيق سبب هذا القول هو أن كل زمان يحدث عنه فله حدان لا محالة هما آنان يفترضان (١٦) فى الذهن له ، وإن لم يشعر به. وهذان الآنان يكونان فى الذهن حاضرين معا لا محالة ، لكنه قد يشعر الذهن فى بعض الأوقات بتقدم آن فى الوجود ، وتأخر آن (١٧) ، وذلك لبعد المسافة بينهما ، كما يشعر بالآن المتقدم من آنى الساعة واليوم ، وفى بعضها يكون الآنان من القريب بحيث لا يشعر الذهن بما بينهما فى أول وهلة ، ما لم يستند إلى استبصار ، فيكون الذهن يشعر بهما
__________________
(١) يكون : ساقطة من ب د ، سا ، ط (٢) ما سمى : ما يسمى ط
(٣) وكل : فكل ب ، سا (٤) فوقت : مؤقت د ، سا.
(٥) والعجب : والتعجب ط (٦) من قول : ساقطة من ط.
(٧) من : عن م. (٨) نرله : يزله م
(٩) إذ : إذا د ، سا. (١٠) والاندراس : ساقطة من سا
(١١) أكثر : ساقطة من م.
(١٢) العدمية : ساقطة من سا
(١٣) الفسادية : والفساد م. (١٤) يولعون : مولعون سا.
(١٥) لزمان : الزمان ط. (١٦) يفترضان : يعترضان د ، سا.
(١٧) آن (الثانية): + فى الوجود د.