ثم «عفريت» لغويا من عفره في التراب : مرّغه ودسّه فيه ، إشارة إلى قوته ، كما التعفير هو المس بالتراب ، ومن معاني العفريت النافذ في الأمر مع دهاء ، وقد يكون تفسيره بالخبيث المنكر تفسيريا لا لغويا ، دون سناد إلى أية حجة إلّا تناقله بين المفسرين!.
وكما الذي عنده علم من الكتاب كان أفضل من سواه بين الإنس ، فليكن عفريت من الجن أفضل من سواه بين الجن ، وعله من مرسليهم ، وكيف يؤتى المارد الخبيث من الجن تلك القوة الخارقة ولا يؤتاها المؤمن التقي منهم وبينهم رسل الجن؟.
و (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) قد تعني قيامه عن شغله المرسوم في سلطته ، وهو يناسب نصف النهار وإلى ساعة ودقيقة واقل منها ، إذ لم يعلم متى ـ هي ـ قالة عفريت.
أم قيامه من مقامه تحديد زمني قدر ما يعرف من الزمان لمجرد القيام عن الجلوس؟ كلّ محتمل ، وعلّ الثاني اضبط وأفضل ، حيث الأوّل لنا غير محدّد ، فلا يناسب كتاب البيان ، ولكن العبارة الصالحة عنه «قبل قيامك» لا (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ)! وقد تكفي في ذلك المجال معرفة الحاضرين عنده بمدى قيامه من مقامه ، ولنا اجماله ، وكما في (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) إذا فالأوّل أولى ، وأبعد تقدير لذلك القيام وهو نصف نهار ، يكفي خارقة للعادة في الإتيان بعرشها فيه من مسيرة شهر للسفر العاديين فضلا عن عرشها ، ثم القادر على ان يأتي به في ساعة أم سويعات من مسيرة
__________________
ـ عفريت (من عفاريت الجن) (أَنَا آتِيكَ ..) أقول لو كان العفريت شيطانا ماردا لما تحول عن الشيطان الى (عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ). وفي الدر المنثور ٥ : ١٠٨ ـ اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله : قال عفريت من الجن ، قال : عظيم كأنه جبل.