من الطغاة البغات.
ولا تهمنا في ذلك العرض معرفة من هو قارون؟ إلّا أنه (كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) ولا يستفاد منه إلّا أنه كان من بني إسرائيل دون القبط الفرعونيين ، تأشيرا عشيرا إلى أن القومية لا تفيد الإنسان ما لم يتخلق بأخلاق القائد الروحي للقوم ، فقد يتخلف عنها ـ على ايمانه المدعى ـ لحد يصبح انحس واتعس من قوم فرعون ، وقد كان قارون هكذا ، إذ جاء ذكره الفصل كأصل بين الطغاة بعد فرعون وقومه والألدّاء الأشداء من المشركين على مدار الزمن حتى مشركي قريش ، وقد نصحه قومه بإيحاء من الشرعة التوراتية بخمس هي سلبيات ثلاث وايجابيتان :
(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) ٧٦.
إن قلة الايمان وضآلته ، بكثرة الكنوز وقد فرح بها ومرح ، هي السبب لبغيه ما بغى ، في حين أن فرعون وقومه يبغون عليهم ، وما أنحسه بغيا عليهم وهو من قوم موسى؟
وقد ودعت (فَبَغى عَلَيْهِمْ) كمجهل يعلم أنه يحلّق على كل دركات البغي ، عرضا ونفسا ومالا وعقلا وعقيدة الايمان ، وهي النواميس الخمسة التي يجب الحفاظ عليها ، ولكنه بغى عليهم ككل وفي كل هذه ، ولو كان بغيا دون الجميع لأتى بما يدل عليه ، فالإطلاق يلمح إلى طليق البغي ، وهكذا يصنع المال بوفره في قلب مقلوب عن الهدى ، مليء من الردى ، فيبغي صاحبه بماله وماله على كل المستضعفين كما يهواه ويستطيع ، و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٩٦ : ٧).
والكنوز هي الجواهر الثمينة ذهبا وفضة أماهيه ، المخبوءة تحت