(.. وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) هنا وفي يوم الدين ، فنراه يضرع إلى ربه بعد ملكه ونبوته بنعمته ان يدخله في الصالحين ، وهكذا تكون الحساسية المرهفة بتقوى الله وخشيته ، والتشوّف والتشرّف إلى رضاه ورحمته في الآونة التي تتجلى فيها نعمته تعالى عليه.
والملاحظ في ذلك المسرح من دعاء سليمان والتجاءه انه لا تزهيه زهوة الملك ورعونته ، خلاف كل من يزدهي من الملوك والزعماء بكل زهوة وزهرة ، فهم يسطون كلما ازدادوا سلطة وقوة ، وسليمان يزداد تطامنا في عبوديته وشكر النعمة الربانية عليه قائلا : رب ازعني ـ كأنه غير موزع : ان أشكر ـ كأنه غير شاكر : وأن اعمل صالحا ترضاه ـ كأنه تارك أو مقصر : وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ـ كأنه ليس من الصالحين ، حين يتخوف على نفسه من غلب النعمة ان تنقلب عليه نعمة ، ملتجيا إلى ربه مستدعيا أن يثبته على الروحية الرسالية ويزداد.
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ٢١.
«الطير» هنا هي مختلفها من جنوده المحشورين معه في مسيرته ، ولما (تَفَقَّدَ الطَّيْرَ) كما تفقد الإنس والجن من جنوده ، فلم يجد الهدهد (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) مما يلمح انه واحد منتخب من الهداهد ، ام قائد في جيش الهداهد ، وتعريفه باللّام يخصصه بالتفقد ، إما لوحدة في شخصه أم شخصيته القيادية (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٠٥ ـ اخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا ان سليمان أراد ان يأخذ مفازة فدعا بالهدهد وكان سيد الهداهد ليعلم مسافة الماء وقد كان اعطي من البصر بذلك شيئا لم يعطه شيء من الطير لقد ذكر لنا انه كان يبصر