والتفقد هو تعرّف فقدان الشيء حين فقده لماذا فقد ، ولمكان «الطير» ككل لم يكن تفقده يختص بالهدهد ، بل يشمل جنود الطير كلها ، فلما لم ير الهدهد من بينها (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ..) مما يدل على ان سائر الطير كانت حاضرة لديه وهو يراها ـ بما فيها سائر الهداهد المجندة ـ إلّا أن تعنى غيّب آخرون من (كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) ـ ولكنه هنا يعني الهدهد الخاص ، المعين لنوبته في ذلك العرض.
وقد يلمح ذلك التفقد لمدى اليقظة والدقة والحزم من سليمان في عرض جنوده ، حيث لا يتغافل عن جندي واحد من حشره الضخم الهائل من الجن والإنس والطير ، الذي يوزع جمعا لأوله إلى آخره وآخره إلى أوّله كيلا يتفرق وينتكث.
وليدرس قواد الجنود من سليمان درسهم في هذه المراقبة التامة والتفقد الشامل ، تحكيما لعرى التجنيد ، دونما تغلّب ولا تلفّت.
«فقال» هنا قولة جاهرة أمام الجيوش ، ليعلم الجميع ويعرفوا غائبهم ، فلو أسرّه أم أجمل شأن الغائب لكان سابقة سوء لكل الجند إذ لا يعرف المتخلف بعينه ، (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ..) ونراه هنا لا يوجه التخلف إلى «الهدهد» حين يتفقده فيفقده ، أخذا بالحائطة متهما نفسه : «مالي» كأنه حاضر وهو لا يراه لنقص في رؤيته ، ام حاجز عن مرئيه ، فلما تأكد من سلامة نظره ، انتقل الى مرحلة ثانية (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) وقد تلمح «كان» للغياب عن الحضور في حشر الجنود ، انه (كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) عن الحشر ، لا انه غاب بعد الحضور ، وإلا لم يكن ل «كان» مكان.
كما قد يلمح جمع «الغائبين» ان هناك غيّب غير الهدهد ، أمن الجن أو
__________________
ـ الماء في الأرض كما يبصر أحدكم الخيال من وراء الزجاجة.