وهكذا تكون الرسالة الإلهية ضخمة الجوانب والتبعات في مقدمات ومؤخرات ، يحتاج صاحبها إلى عظيم الزاد في سفرته الشاقة الطويلة المليئة بالأشلاء والدماء والحرمانات عن المشتهيات في هذه الأدنى ليجتاح دون عبأه كل العرقلات ، والرسالة الموسوية هي اضخم الرسالات ـ بعد الرسالة الختمية ـ فليستعد موساها لكل إعداداتها حتى يجيء على قدر فيها.
وعرض قصص موسى في معرض القرآن أكثر من سائر القصص ، لأنه أعرض القصص الرسالية ، وأشبهها بقصص الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وليستأنس به في هذا السبيل الشاق الطويل.
(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) ٢٨.
«ذلك» الميعاد (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) مخيرا بين الأجلين لا مسيّرا (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ) في شرط الزواج «وكيل» دونما حاجة إلى شهود آخرين ، مما يدل على أن الإشهاد في النكاح غير واجب ، مهما كان واجبا في الطلاق.
فقد تمت هنا مواضع العقد بشروطه بلا مجال فيها لغموض ، وهنا التعمية من موسى (عليه السلام) (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) تأكيدا للتخيير ، وفسحا لمجال الإكرام بأوفاهما ، وذلك مما ندب إليه في الشرعة الإلهية ، أن يزاد في الأجر مهما كانت مماكسة فيه في البداية.
(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ