أو ليس شاقا على موسى على محتده وعلو مقامه وواجب تحضيره للرسالة المستقبلة أن يؤاجر نفسه ثماني حجج أو عشرا؟ حسب الظاهر نعم ، وفي الحق لا كما وضحه أبوها (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) في أصل الثمان ولا في التكملة ، وإنما هي مصلحة ككلّ من صالح إلى صالح (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ..)
ومن الصالح في هذه الحجج أن يصبح موسى من رعاة الأغنام قبل ان يرسل رسولا إلى الأنام ، فلقد لبثت من عمره ردحا في بلاط النعمة والنعومة ، فليعش ـ ما بينه وبين الرسالة إلى فرعون وملإه وسائر المكلفين ـ راعيا لأغنام وذلك قدره الذي قدّره له ربه (.. وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى. وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي).
ويا له من اصطناع بارع ليصنع بعد أمة صارمة ضد الفراعنة المجرمين ، فقد نقلته يد القدرة الرقيبة الربانية منذ رضاعته إلى طفولته وإلى رجولته وحتى ذلك الحين وقد حان حين الوحي الحبيب ، وفي هذا الخط الطويل قبل الرسالة وبعدها تجارب منقطعة النظير ـ إلّا لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ـ من تجربة الحياة في جو الفرعنة ، ثم الخوف والفزع والمطاردة ، وتجربة الجوع والوحدة والغربة ، وتجربة رعي الغنم والخدمة بعد حياة القصر.
__________________
ـ وآله وسلم) وأبو هريرة نفسه عنه.
وفي نور الثقلين ٤ : ١٢٥ عن المجمع روى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أوفاهما وابطأهما ، وفيه مثله عن أبي ذر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعن تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام) لما قيل له : اي الأجلين قضى؟ قال : أتمهما عشر حجج ...