والأرض ، على قدر حاجته روحيا وماديا ، وانكشاف سرّ الغيب ـ المخصوص علمه بالله ، أو الممكن تعليمه لمن سواه ـ ليس مما يبغيه في مهمة الحياة ، إلّا الوحي الرسالي الذي يدار به حياته في مدار الحق ، إبعادا له عن الأخطاء ، وأمّا ان يتطلع إلى كل أسرار الغيب كما الله فمستحيل ذلك على كل من سوى الله حيث يصبح كأنه الله ، أو يتطلع إلى أسرار ليست من هامة الحياة ، مهما أمكن تطلعه عليها بتعليم الله ، إذ لا دافع فيه ، وكان فيه ارتفاع الابتلاء في الحياة أن يعلم كل ما في قلب الآخر ، أو كان فيه تعطيل الاستعدادات عن التحرك نحو الكمال.
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) ٦٦.
إنهم مبلغهم من العلم في الأولى هو العلم الأعمى ، المنحصر فيها ، المنحسر عن الأخرى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا. ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ..) (٥٣ : ٣٠) ، فشكهم فيها وعماهم منها امتناع للعلم باختيار ، فقد صرفوا كل علمهم في الأولى فلم يبق لهم علم بالأخرى (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) تداركا لما فوّتوه على أنفسهم في الأولى ، للأخرى ، ولات حين مناص وقد فات يوم خلاص!
ولأن «ادّارك» هي من باب الافعلّال ، مبالغة في التدارك والدرك ، فقد تعني كمال الدرك والتدارك بعد نقص قصورا وتقصيرا.
وتدارك علمهم ، المقصرون فيه أو القاصرون ، يشمل علم الساعة حيث يتدارك عند الساعة بواقعها ، فالمؤمن بالساعة يعلمها علم الايمان دون متاها ، فيتدارك علمه بها بواقعها ، ثم والعلم بواقع اعمالهم السيئة التي كانوا يرونها حسنة : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ