(فَأْتِيا ... أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) فلم يكن رسولا إلى فرعون وملأه ـ فقط ـ ليدعوهم إلى شرعته ، بل ليطلب ـ بالفعل ـ إطلاق بني إسرائيل عن أسرهم وتسريحهم عن حصرهم (إِنَّا رَسُولُ ... أَنْ أَرْسِلْ) دون «آمن وأرسل» مما يصرح أن هذه الرسالة ليست بالفعل إلّا ناحية منحى السلب ، أن يتخلى فرعون عن بني إسرائيل فإنهم هنا محور الدعوة الرسالية ، وإن كانوا هم ايضا تشملهم هذه الدعوة العالمية كما آمن بها السحرة.
فالرسالة الموسوية ككل هي عالمية مهما بدأت من بني إسرائيل المضطهدين حيث هم حجر الأساس فيها ، وكذلك فرعون وقومه إذ كانوا حجر عثرة للأساس ، ولاتت حين مناص إلّا سلبا لأسرهم بأسرهم حتى يخلوا له جو الدعوة دون معارض مستخف لهم ، مستكبر عليهم ، متفرعن فيهم ، فالسلب دوما يتقدم الإيجاب حتى يحل هو محله من الإيعاب ، فيستتب أمر الشرعة قبولا لها وإقبالا إليها.
أترى ذلك القول الرسالي للطاغية كان قاسيا؟ كلّا حيث القساوة ـ ولا سيما من مثل موسى على سابقته معه ـ ليست إلّا عرقلة في سبيل الدعوة ، وإنما كما في طه وسواها (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٢٠ : ٤٤).
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(١٩).
أتياه وقالا له ما حمّلاه : دعوى الرسالة ومادة منها سلبية (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) وفي ذلك سلب الربوبية عن فرعون وسلب سلطته عمن يملكهم ، رسالة تهدم صرح السلطة الزمنية والروحية مع بعض ، ومن هو