«ولقد» تأكيدان اثنان تؤكدان ضرورة إيتاء الكتاب (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) وهي التي قبل قرنه منذ قرن نوح وعاد وثمود إلى قرن فرعون ومن بينهم من المهلكين (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : التوراة (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) : تبصّرهم تأريخ الهالكين وعاقبة الظالمين ، تأتي البصائر توصيفة غالية في الذكر الحكيم خمسا ، ثلاثا تخصه نفسه : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (٦ : ١٠٤) ـ (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ٢٠٣) ـ (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٤٥ : ٢٠).
ورابعة للآيات الرسالية الموسوية : (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) (١٧ : ١٠٢) وخامسة للتوراة كما هنا.
والقرآن هو مجمع البصائر في كلتا المرحلتين ، هما مقسومتان على توراة موسى ومعجزاته واين بصائر من بصائر؟.
ثم «بصائر» هي جمع «بصيرة» وقد تكون تاءها للمبالغة كما (الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (٧٥ : ١٤) مبالغة اطلاعه على نفسه ، وبصيرة التوراة وآيات موسى فضلا عن بصيرة القرآن هي مبالغة في الإبصار ، كأنها التي تبصر الناظرين إليها ، أو تبصر نفسها لهم لشدة التماعها واشراقتها كما (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) (١٧ : ١٢) بصيرة تجلب إلى الإبصار إليها لمحجتها البيضاء.
(بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً) مصدرا هي نفس الهداية وخالصها دون شوب ، «ورحمة» وذلك المثلث البارع من الإضاءة والإلماع (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الحقّ فبه يؤمنون.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ٤٤.