إفسادهم ، ومفسدون لا يصلحون وهم المسرفون في إفسادهم ، و (أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) ليس ـ فقط ـ ما يقابل النهي ، حيث الطاعة المنهية لا تخص هذا الأمر ، بل والنهي المسرف أحرى ان تترك طاعته ، كما النهي عن المنكر يتقدم الأمر بالمعروف ، وانما الأمر هنا فعلهم وشأنهم وإمرتهم وأي أمر منهم بفعل أو ترك أم ماذا؟.
واختصاص ترك الطاعة هنا لا يحصر النهي في طاعة أمرهم ، فطاعة الأمر غير المعصوم صاحبه ، أو المأثوم ، هذه منهية على أية حال ، (وَلا تُطِيعُوا) هنا قضاء حاسم على الأمر الفادح الفاضح كأولى خطوة صالحة إلى الله ، ومن ثم الخطى الأخرى التي تتبنّى الخطوة الأولى! تركا لطاعة من سوى الله ككلّ ، إلّا رسول الله ، وكل من يحمل عنه ما حمّله حليما تقيا ، لحد يعتبر أمره أمر الله وكما عرّف به الله.
فليس من صالح الدعوة الرسالية حمل الشاردين كهؤلاء البعيدين على الشرعة ككل ، وانما يؤمرون في البداية وينهون ، في أوليات العقائد والأخلاق والأعمال ، (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) تكفل هذه البداية دونما إفراط ولا تفريط.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ١٥٣ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ١٥٤.
لقد حصروا كيانه الرسالي في السحر : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) ولماذا؟ لأنهم حصروا كيانهم أنفسهم في الشهوات المضللة ضد الرسالات ، وبطبيعة الحال ليست ردة الفعل ونبرة القول ل «إنما» الضلالة وجاه «إنما» الهدى إلا (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)!. إذ (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) تريد أن تتفضل علينا ، وترى المماثلة في أصل البشرية مما يحيل الرسالة إلى البشرية