هو حقيقة ذات تكاليف وذات أعباء ومشاق لا يتحملها إلا قليل (١) حين يتمحّلها كثير ، ويا ويلاها من فتن لا تقوم لها قائمة كفتنة الأحباء والأهلين إذ يهتفون به ليسالم أو ليستسلم أمام الباطل حفاظا عليهم ، هتافا باسم الله في الرحم ، ومن أبرزها الفتنة مع الوالدين كما أتت في هذه السورة.
وفتنة إقبال الدنيا على المبطلين ، تهتف لهم الدنيا وتصفق لهم أهلوها وهو المؤمن مهمل منكر لا يحس به من احد ، ثاويا في غربته ووحدته بوهدته ، يرى الذين حوله غارقين في تيه الضلالة وتيار الجهالة.
وأعظم من كل الفتن وافتن هي فتنة الإمرة على الأمة والعلو في الأرض ، أعاذنا الله من شرها ، ورزقنا خيرها تحقيقا للحق وابطالا للباطل.
فهذه الآية ضابطة عامة للذين قالوا آمنا ، أنهم يفتنون فيما قالوا على أية حال ، فمنهم ساقطون فيها ومنهم ثابتون ومنهم عوان ، وليست الفتنة فقط ، بعدم المال والحال والمنال ، بل هم في وجدها أشد فتنة وبلاء ، يفتنون بمختلف الأحوال في كل حل وترحال ، بل الحياة الدنيا كلهما فتنة وبلاء بخيرها وشرها ، بإقبالها وادبارها ، والإمرة من أشرّ الفتن وأمرّها! : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٧ : ١٦٨) (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٢١ : ٣٥) فمن الحسنات الخير ما يوافق الطبع ويوافره ، كما من السيآت الشر ما يخالف الطبع وينافره ، وفي كلّ سقوط ونجاح ، فالأول من السيآت الشر بوجه آخر مهما وافق الطبع ، والثاني كذلك
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٥٠ عن ارشاد المفيد عن الفضل بن شاذان عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : لا يكون ما تمدون اليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ولا يبقى منكم إلا القليل ثم قرء الآية ثم قال : ان من علامات الفرج حدث يكون بين المسجدين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب.